مجموعة من النصوص

0%
0

مجموعة من النصوص

( 1 ) قال دبشليم الملك لبيديا الفيلسوف قد سمعت هذا المثل فاضرب لي مثل الرجل العجلان في أمره من غير روية ولا نظر في العواقب قال الفيلسوف إنه من لم يكن في أمره متثبتاً لم يزل نادماً ويصير أمره إلى ما صار إليه الناسك من قتل ابن عرس وقد كان له ودوداً، قال الملك وكيف كان ذلك؟ قال الفيلسوف: زعموا أن ناسكاً من النساك بأرض جرجان وكانت له امرأة جميلة ، فمكثا زمناً لم يرزقا ولداً ثم حملت منه بعد الإياس فسرت المرأة وسر الناسك بذلك فحمد الله تعالى وسأله أن يكون الحمل ذكراً وقال لزوجته: أبشري فإني أرجو أن يكون غلاماً لنا فيه منافع وقرة عين أختار له أحسن الأسماء وأحضر له سائر الأدباء، فقالت المرأة ما يحملك أيها الرجل على أن تتكلم بما لا تدري أيكون أم لا؟ ومن فعل ذلك أصابه ما أصاب الناسك الذي أراق على رأسه السمن والعسل ، قال لها : وكيف ذلك؟

(۲) قالت: زعموا أن ناسكاً كان يجري عليه من بيت رجل تاجر في كل يوم رزق من السمن والعسل وكان يأكل منه قوته وحاجته ويرفع الباقي ويجعله في جرة، فيعلقها في وتد في ناحية البيت حتى امتلأت فبينما الناسك ذات يوم مستلق على ظهره والعكاز في يده والجرة معلقة على رأسه، تفكر في غلاء السمن والعسل، فقال: سأبيع ما في هذه الجرة بدينار وأشتري به عشرة أعنز فيحبـلـن ويـلـدن في كل خمسة أشهر بطناً، ولا تلبث قليلاً حتى تصير غنماً كثيرة إذا ولدت أولادها، ثم حرر على هذا النحو بسنين فوجد ذلك أكثر من أربعمائة عنز فقال: أنا أشتري بها مائة من البقر وأشترى أرضاً وبذراً، وأستأجر أكرة وأزرع على الثيران وأنتفع بألبان الإناث ونتاجها فلا يأتي على خمس سنين ألا وقد أصبت من الزرع مالاً كثيراً. فأبني بيتاً فاخراً وأشتري إماء وعبيد. وأتزوج امرأة جميلة ذات حسن. ثم تأتي بغلام سري نجيب فأختار له أحسن الأسماء، فإذا ترعرع أدبته وأحسنت تأديبه وأشدد عليه في ذلك، فإن يقبل مني وإلا ضربته بهذه العكازة وأشار إلى الجرة فكسرها، فسال ما كان فيها على وجهه وإنما ضربت لك هذا المثل لكي لا تعجل بذكر ما لا ينبغي ذكره، وما لا تدري أيصح أم لا يصح فاتعظ الناسك بما حكت زوجته .

(۳) ثم إن المرأة ولدت غلاماً جميلاً ففرح به أبوه وبعد أيام حان لها أن تتطهر فقالت المرأة للناسك: اقعد عند ابنك حتى أذهب إلى الحمام فأغتسل وأعود ثم إنها انطلقت إلى الحمام، وخلفت زوجها والغلام فلم يلبث أن جاءه رسول الملك يستدعيه ولم يجد من يخلفه عند ابنه غير ابن عرس داجن عنده كان قد رباه صغيراً فهو عنده عديل ولده فتركه الناسك عند الصبي وأغلق عليهما البيت وذهب مع الرسول فخرج من بعض أحجار البيت حية سوداء فدنت من الغلام فضربها ابن عرس ثم وثب عليها فقتلها ثم قطعها وامثلاً فمه من دمها.

(٤) ثم جاء الناسك وفتح الباب فالتقاه ابن عرس كالمبشر له بما صنع من قتل الحية، فلما رآه ملوثاً بالدم وهو مذعور طار عقله وظن أنه قد خنق ولده ولم يتثبت في أمره حتى يعلم حقيقة الحال ويعمل بغير ما يظن من ذلك ولكن عجل ابن عرس وضربه بعكازه كانت في يده على أم رأسه فمات. ودخل الناسك فرأى الغلام سليماً حياً وعنده أسود مقطع، فلما عرف القصة وتبين لــه سـوء فعله في العجلة لطم على رأسه، وقال: ليني لم أرزق هذا الولد ولم أغدر هذا الغدر ودخلت امرأته فوجدته على تلك الحال فقالت له: ما شأنك فأخبرها بالخبر من حسن فعل ابن عرس وسوء مكافأته له فقالت: هذه ثمرة العجلة فهذا مثل من لا يتثبت في أمره بل يفعل أغراضه بالسرعة والعجلة.

(1) لا نكاد نعرف شيئا عن تاريخ الأفارقة الذين اقتلعوا من أوطانهم وحقولهم ليباعوا في سوق النخاسة ويلاقوا صنوف العذاب والإرهاب، وربما يعد كتاب "الجذور" لشالكس هالي الذي حصل إخراجه على صورة مسلسل تلفازي جزءا من الحقيقة التي تصف رحلة العذاب والألم الطويلة منذ لحظة الاختطاف مرورا بالأقفاص الخشبية التي كان يحجز فيها الأفارقة قرب الساحل قبل شحنهم بالسفن، ثم الرحلة الشاقة الرهيبة عبر الأطلسي حيث يوضعون في مقر السفينة ويربطون بالسلاسل الحديدية.

(٢) وتشير العديد من المصادر إلى أن أعدادا كبيرة منهم لاقوا حتفهم بسبب إصابتهم بمرض الكوليرا. أو الحمى الصفراء، ولقد ألقي العديد من هؤلاء المرضى في قاع المحيط بعد أن خاف البرتغاليون من انتشار الوباء بينهم و وإذا وصلوا إلى ساحل البرازيل وضعوا في مخابئ أرضية.

(۳) لقد تم ترحيل الأفارقة من أفريقيا الغربية إلى البرازيل في أوائل القرن السادس عشر بواسطة المستعمرين البرتغال : للعمل كعبيد في المزارع والمصانع. وبالرغم من انتشارهم في أنحاء البرازيل كافة إلا أن الأغلبية الساحقة منهم تقطن شمال شرق البرازيل لا سيما في ولايتي باهية ورسيفي

(٤) لم تنته رحلة العذاب في البواخر بل تواصلت عبر السنين، وعلى أرض البرازيل لتخلف قهرا وحسرة في قلوب المسلمين أو تنصرا وكفرا في نفوس إخوانهم وأبنائهم، وقد تمسك بعضهم بإسلامهم بالرغم من بعدهم عن أرض الإسلام، وبالرغم من العذاب والمشقة رأى الأفارقة أنهم فقدوا حريتهم الدينية والعقائدية، وحينها بدؤوا في تنظيم صفوفهم، والعمل على الحفاظ على مبادئهم الإسلامية، وتعليم أبنائهم القرآن والكتابة العربية، أضف إلى ذلك التخلص من قيد العبودية. والعودة إلى وطنهم الأم إفريقيا.

(٥) وقد قام هؤلاء المسلمون الأفارقة بثورات عديدة ضد هؤلاء المتسلطين الإقطاعيين، وأسسوا في إحدى تلك الثورات مملكة تحاكي ما هو معروف من الممالك الإسلامية في غرب إفريقية، وتلك المملكة الإفريقية يسميها البرازيليون اليوم بـ "المملكة الزنجية، ويقول المؤرخون: إن الأفارقة أنشؤوا لهم كيانا برئاسة ملك له خلافة وراثية في منطقة بلمارس واسمه (الملك زومبي)، وأعلن أن دولته حرة مستقلة ووضع دستوراً لبلاده في مادته الأولى: احترام الحرية الشخصية لكل من يشاء العيش في دولته، وهذا يدل على أهمية الحرية وقيمتها في حياة الناس.

(6) وظلت الحرب بين دولة المسلمين الأفارقة ودولة البرتغال بإمكاناتها الكبيرة من الرجال والعتاد لمدة خمس سنوات بدون أن يكون لدى الأفارقة شيء من ذلك إلا تضحية رجالهم المتسلحين بأسلحة خفيفة.

(۷) وقد سجل المؤرخون البرتغاليون أن الجيش البرتغالي كان يقضي على أسرى السود بدون شفقة سواء أكانوا رجالا أم نساء، وسواء أكانوا شيوخاً أم أطفالا، وفى ٢١ يونيو ١٦٧٨م جرى صلح بين ملك السود وبين البرتغال لم ترض عنه أكثرية السود، فتتابعت الحرب، حتى تمكن البرتغاليون من القضاء عليهم وهلك الملك زومبي فيمن هلك، وقام بعد ذلك البرتغاليون بمطاردة المسلمين الأفارقة وتعقبهم، فقر كثير منهم بدينهم إلى الغابات والأدغال، والكثير منهم أجبر على اعتناق النصرانية، وأجبروهم على بناء الكنائس، ومنعوهم من بناء المساجد، فعمد المسلمون إلى بناء الكنائس من الخارج ومن الداخل صممت على صورة مساجد بها منابر ومحاريب وكتب على جدرانها وأسقفها الآيات القرآنية والأدعية باللغة العربية.

(۸) حفظت المكتبات العامة والأرشيف الوطني في باهية وثائق المسلمين الأفارقة. وأوراق منفرطة كتبت عليها سور وآيات من القرآن الكريم وغيرها تثبت انتماءهم الإسلامي ومن المفاجآت العجيبة أنه ما زال إلى الآن هناك من يعيش في تلك الأدغال ويعتنق الإسلام ولكنه إسلام مختلط ببعض الخرافات والعادات الإفريقية التي لا تمت للإسلام النقي الصافي وقد انطفأ نور الإسلام في بعض تلك المدن بسبب التعسفات والمصائب التي تعرض لها المسلمون في بداية القرن التاسع عشر، حيث عاشوا مدة من القهر الجماعي مما أدى إلى هجرة معاكسة إلى البلدان الإفريقية.

(1) أبو حيان التوحيدي من أشهر أدباء القرن الرابع الهجري ومفكريه وصفه ياقوت الحموي بقوله "فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة". ومع ذلك أهمله مؤرخو عصره وتجاهلوه واستمر هذا التجاهل إلى ن كتب ياقوت معجمه المشهور، فخص التوحيدي بترجمة ضافية ضمنها التعبير عن دهشته واستغرابه لتجاهل سابقيه لشخصية مرموقة مثل شخصية التوحيدي واعتمد في ترجمته كثيرا على ما ذكره التوحيدي عن نفسه في مؤلفاته.

(۲) وعلى الرغم من أن التوحيدي حاول جاهداً أن يحسن من أحولاه عندما اتصل ببعض رجال الدولة من أمثال الوزير المهلبي وابن العميد والصاحب بن عباد وغيرهم إلى أنه كان يعود كل مرة مخيب الظن يندب حظه العاثر، ولا نبالغ إذا قلنا إن حياة التوحيدي كانت سلسلة من الإخفاقات والإحباطات المتتالية تسبب التوحيدي نفسه في خلق أكثرها.

(۳) فقد كان سوداوي المزاج مكتئباً حزينا متشائماً حاقداً على الآخرين مغرماً بثلب الكرام، كارها العامة من أهل زمانه وحاسداً الخاصة منهم، وكان إلى جانب هذا كله - معتداً بنفسه وبأدبه أشد الاعتداد، طموحاً إلى حد التهور، لذلك عاش أغلب عمره يعاني من صراع عنيف بين طموحه المفرط وبين واقعه الملىء بكل ألوان الفشل والحرمان، وقد أجبره هذا الصراع في نهاية الأمر على الاستسلام وبين واقعه المليء بكل الوان المشل والحرمان، وقد أجبره هذا الصراع في نهايه الأمر على الاستسلام لليأس والارتماء في أحضان التصوف هرباً من واقعه المرير.

(٤) ولعل حادثة إحراق التوحيدي لكتبه في أواخر حياته خير دليل على مدى تمكن اليأس من نفسه وزهده في أهل عصره، وعلى الرغم من حادثة إحراق الكتب هذه  وهي حادثة رمزية بطبيعة الحال قام بها التوحيدي احتجاجاً على مجتمعه - فقد ترك لنا التوحيدي مجموعة من الأعمال الأدبية والفلسفية والصوفية المتميزة في تاريخ مكتبتنا العربية.

(٥) ومن أهم أعماله: الإمتاع والمؤانسة الصداقة والصديق ومثالب الوزيرين وغيرها. أما من حيث الأسلوب الكتابي، فالتوحيدي لم يستسلم لأسلوب السجع والبديع الذي كان سائداً في عصره بل كان في الغالب جاحظي الأسلوب يعتمد على الازدواج والتعليل والتقسيم والسخرية والإطناب ويولي المعنى في كتاباته عناية فائقة.

(۱) بلوتو، أبعد كواكب المجموعة الشمسية. اكتشف عام ۱۹۳۰ ولكن الجدل حوله لم يتفاقم إلا قبل ثلاث سنوات فقط، وهذا الجدل مصدره خلاف جديد بين علماء الفلك حول طبيعة وتعريف أي "كوكب"، وكم يجب أن يبلغ حجمه للتفريق بينه وبين أي صخرة" تدور في الفضاء.

(٢) وبالنسبة لبلوتو يمكن اعتباره كوكباً كونه يدور حول محوره ويملك مداراً خاصاً حول الشمس ولكنه من حيث الحجم يعد أصغر بكثير من القمر، وأقل بخمسمائة مرة من الأرض، ولا يتجاوز نصف قطره ۱۱۰۰ كلم فقط.

(۳) وحين اكتشف بلوتو عام ۱۹۳۰ لم يكن العلماء يملكون تلسكوبات قوية تمكنهم من رؤيته بشكل سليم وواضح. بل إنهم في الحقيقة توقعوا وجوده من خلال المعادلات الرياضية قبل رصده فعليا فبلوتو بعيد لدرجة أنه لا يكمل دورته حول الشمس إلا كل ٢٤٨ عاماً وصغير لدرجة يصعب تحديد موقعه إلا من خلال رصد تأثيره على الكوكب المجاور نيبتون.

(٤) ولكن بحلول عام ٢٠٠٠ كانت المراصد الفضائية والتقنيات الفلكية قد تطورت لدرجة كشف بلوتو على حقيقته حيث اتضح أنه أصغر وأبعد، وأقل كتلة مما كان متوقعاً.

(٥) وما زاد الطين بلة اكتشاف العلماء عام ۲۰۰۳ م كوكب عاشر أكبر منه حجماً مازال يدعى الكوكب "اكس". وتعرف باسم "الحزام الصخري"، ولا تزال هذه المفارقة - كويكب كتلة صخرية - نقطة نقاش بين العلماء وأفرزت سؤالاً عويصاً، أيهما الصخرة وأيهما الكوكب: "بلوتو" أم "اكس".

(6) هذا السؤال المربك الذي طرح في آخر اجتماع الجمعية الفلك العالمية يذكرنا بخلاف مماثل مازال يدور بين علماء الجغرافيا على الأرض.

(1) الهيبرتكست هو التعبير الوصفي لأحدث أشكال الكتابة الإلكترونية، وهو يشكل نصاً إلكتروني يرتبط بنصوص أخرى عن طريق روابط داخل النص والكلمة Hypertext يمكن ترجمتها حرفياً (النص الفائق)، وهي ترجمة غير معبرة عن صفات الهيبرتكست، ومن ثم أثرنا كتبتها بالحروف العربية كما تنطق في لغتها الأصلية، ويثير الانتشار الواسع للكلمة الإلكترونية والشاشة على حساب الكلمة المطبوعة والورق قضية النص الإلكتروني وإمكان اختفاء النص المطبوع باعتباره مرحلة من مراحل تكنولوجيا لا يمكن لها الخلود مثلما كنا نتصور، فهل يمكن أن ينقرض الكتاب المطبوع ؟

(٢) لقد كانت اللغة الشفهية أولى وسائل الاتصال الفعالة بين البشر، واختصرت بإمكاناتها الهائلة زمن التعبير وأمدته بدقة لم تكن ممكنة من دونها، في هذه اللغة ولدت المعرفة الإنسانية كلها، الأساطير والعلم والدين والفلسفة، إلا أن الكلام المنطوق المولود في الصوت والحادث في الزمن لا يمكن أن يحفظ لنا خبرة كما هي، كما أنه لم يكن قادراً على الانتقال الحر في الزمان والمكان، ومن ثم جاءت الكتابة والطباعة والكمبيوتر الكتابة الإلكترونية كتكنولوجيا اخترعها الإنسان في محاولة لتخزين الكلمة وضمان سهولة نقلها في المكان والاحتفاظ بها ومن ثم استعادتها في أي وقت في الزمن.

(۳) على أن هذه التقنيات التي تتعامل مع المعرفة العقلية تعبيراً وتخزيناً و تنظيماً وتداولاً مارست ولا زالت تمارس - تأثيراً جذرياً على العقل نفسه، فعلى سبيل المثال ومنذ الستينات من القرن العشرين درس كثير من الباحثين تأثير الكتابة النسخية والطباعة على عقل الإنسان ودينامياته النفسية، ومن ثم تأثير ذلك على تصوره لذاته وعلاقته بالكون والآخرين وبالتالي على تصوره العقيدي والفلسفي ومما يعني أن التحول في تكنولوجيا المعرفة ليس مجرد تحول من تقنية إلى أخرى بل إنه يعني التحول إلى عقل آخر من الورق إلى الشاشة.

(٤) إن علاقتنا مع الكتابة على الأوراق علاقة حميمة فنحن الذين تخلق الكلمات المكتوبة، بل إن عملية تعليم الكتابة ذاتها هي في الحقيقة تدريب العقل لتوظيف عضلات الذراع لتتحكم في تصوير الحروف والكلمات لتشكل منها مادة المعرفة، ويرى والتر أونج في (كتابه الشفاهية والكتابة) أن هذه العملية البسيطة في ظاهرها غيرت الوعي الإنساني كما لم يغيره أي اختراع آخر، فقد حولت الكلمة المنطوقة - المسموعة والحادثة في الزمان إلى كلمة مرئية محصورة في المكان أي أنها حولت المعرفة العقلية إلى شكل مادي هو الكلمات المكتوبة، ليس هذا فقط بل إن الكلمة المكتوبة غير قابلة للدحض أو المساءلة، يقول أونج ... وليس ثمة طريقة مباشرة لدحض النص حتى بعد التفنيد الكامل للكتاب، يظل النص يقول ما قاله من قبل تماماً وهذا هو أحد أسباب شيوع عبارة "الكتاب يقول"، بمعنى أن القول صحيح، وهو أيضاً أحد الأسباب التي من أجلها أحرقت الكتب ".

(٥) والهيبرتكست يتمتع بخاصتين الأولى أنه يمكن قراءته على الشاشة بطريقة غير متتابعة، فهو نص يتفرع ويرتبط بنصوص إلكترونية مرتبطة بدورها بنصوص أخرى وهكذا. والقارئ في هذه الحالة هو الذي يحدد التكوين النهائي للنص الذي يقرؤه في وقت معين، والخاصية الثانية هي إمكان ربطه بملفات الصوت والصورة، والنقطة المحورية هنا أن مثل هذا النص عند طباعته يفقد الانتقال الحربين أجزائه المختلفة، كما أنه سيفقد الصوت والحركة للصورة المتحركة، وعلى النقيض من الكلمة المكتوبة، فإن الكلمة الإلكترونية ليس لها وجود مادي فما يظهر على الشاشة هو التعبير الافتراضي لاستدعاء المناظر الرقمي للحرف والقارئ من الشاشة يدرك أنه ليس أمام كلمات مادية حقيقية مثل النص المكتوب أو المطبوع بل إنه أمام حزم إلكترونية تندفع من أنبوب الكاثود القابع خلف الشاشة لكي تشكل على سطحها خيالات تشبه الكلمات، وهذه الوسائط لا تحزن الكلمات وإنما تحزن المناظر الرقمي لها، والنتيجة النهائية أن الكلمة الإلكترونية فاقدة عنصر الثبات والاستقرار الذي كان للكتابة النسخية والطباعة وبالتالي فإن المعرفة المستقاة منها متطايرة وفاقدة لعنصر اليقين كما أن مواصفاتها هذه تجعلها غريبة ومغتربة عنا نحن الذين نشأنا فى ثقافة الورق والكلمات المكتوبة.

(6) إن الاغتراب عن النص الإلكتروني هو الصفة الأساسية الآن لنا ككتاب وقراء الأجيال الحالية الذين تشكل وعيهم ووجدانهم قبل ظهور الكتابة الإلكترونية، ويبدو هذا واضحاً فيما نقرؤه عن استمرار الكتاب المطبوع كوسيلة أولى للمعرفة، فهل هذا التصور جائز على الأجيال القادمة؟ إن تاريخ تكنولوجيا المعرفة كفيل بالإجابة عن هذا السؤال، فعلى سبيل المثال في بدايات الكتابة الأبجدية، كان سقراط يقيم محاوراته شفهياً، ويذكر لنا أفلاطون على لسانه في حدى رسائله اعتراضه على الكتابة تلك التي تدعي أنها تؤسس خارج العقل ما ينبغي أن يؤسس داخله كما أنها تأتي بنتائج عكسية على الذاكرة فتجعل الإنسان كثير النسيان، وقد ساق أفلاطون اعتراضه على الكتابة كتابة.

(1) الازدواجية هي وجود مستويين لغويين مختلفين ضمن نظام لغوي واحد . ويقصد به في اللغة العربية وجود الفصحى والعامية معاً في مجتمع واحد، ولا نستطيع التغلب على العامية لأننا لا نعرف كيف بدأ وجودها أصلاً.

(۲) ونحن لا نساير الذي يقولون للطفل إذا أراد تعلم الفصحى : استعد لتعلم لغة جديدة، إشارة منهم إلى شدة الاختلاف بين الفصحى والعامية، وكلامهم هذا خاطئ ، لأن الاختلاف نسبي بين المستويين و وليس كما يتخيلون ، بدليل أن العامي إذا استمع إلى الراديو أو التلفاز الذي يتكلم بالفصحى - فإنه سيفهم ما يقال.

(3) أما من يزعم ضالة الاختلاف بين الفصحى والعامية، فكلامهم هذا مردود، لأنه مجرد كلام انطباعي، فمع إقرارهم بصعوبة تعلم الفصحى بالنسبة للعامي، فإنهم يقولون بأن الاختلاف بسيط ! ، إن الطريق الحقيقي المعرفة الفروق هي أن تكون المقارنة علمية بين المستوى الأول (الفصحى) والمستوى الثاني (العامية) لأن المستويين يقعون ضمن نظام لغوي واحد هو اللغة العربية، وأرى أن الطريقة الفعالة للتقريب بين الفصحى والعامية هي " تفصيح العامية وهذا سيجعل من العربية الفصحى، بالإضافة إلى كونها لغة الكتابة والقراءة لغة متكاملة في أن تكون مهاراتها مهارات مكتسبة ومستعملة في الوقت نفسه لدى المتكلمين بها، إن الارتفاع بالشخصية العربية إلى المستوى اللغوي الفصيح هو هدف سام سيوحد لغة التفكير مما سيؤدي في رأيي إلى الانطلاق في مجالات الفكر والعلم والإبداع الذي سيلقي بظلاله على الشخصية العربية إيجاباً وليس سلباً.

(1) أغرق السلوك الاستهلاكي المكثف الإنسان في طوفان من مشكلات تلوث البيئة. وما لم يأخذ حذره فقد يغرقه هذا السلوك في طوفان حقيقي. ولا ينبغي أن يُلْتَفَتَ إلى ما يردده الكثير من البشر اليوم من أن الإنسان في عصرنا أسوأ منه في الأزمنة الماضية، فلكل عصر حسناته وسيئاته. غير أن السلوك الاستهلاكي الشره للإنسان المعاصر هو أكبر مشكلاته التي خلقت تلوثاً بيئياً يهدد كوكب الأرض بمخاطر جمة.

(۲) إن الوعي البيئي لدى الإنسان الحديث، خاصة في الدول الصناعية المتقدمة، غاية في النضج غالباً: لكن سلوكه تجاه البيئة عموماً لا يجسد ذلك، ففي دراسة أجريت في ألمانيا عن الهموم الحياتية من وجهة نظر المواطن الألماني احتل التلوث البيئي المرتبة قبل الأخيرة. وقد كان ذلك في أوائل الثمانينيات. لكن بحلول عام ١٩٨٤م قفز هذا الهم إلى المرتبة الثانية. ومنذ عام ۱۹۸۹م بدأت مشكلة التلوث تحتل المركز الأول في الاهتمام الشعبي في ألمانيا.

(۳) وقد أظهرت نتائج الدراسة السابقة أيضاً أن نسبة المواطنين الذين أبدوا استعداداً لتغيير أساليب تسوقهم وتحمّل بعض التضحيات من أجل صيانة البيئة أخذت في الازدياد كذلك، ومع ذلك، فلم يحدث أي تغيير في واقع الأمر بخصوص السلوك الاستهلاكي للمواطن الألماني على أن هذا النوع من السلوك الاستهلاكي ليس حكراً على الشعب الألماني أو غيره من الشعوب.

(٤) ولعل الكم الهائل من الإعلانات الدعائية في وسائل الإعلام في جميع دول العالم هو أحد مؤشرات النزعة الاستهلاكية التي ألمت بالبشر في العصر الحديث ذلك أن هذه الإعلانات لا جدوى منها، ما لم يكن الاستهلاك يغطي تكاليفها ويزيد كثيراً. والواقع أنه ما من سلعة إلا ابتكر منتجوها وسائل للدعاية تغري باقتنائها حتى أصبح الإنسان الحديث ليس مجرد كائن استهلاكي، بل متخبط في استهلاكه، ومخدوع فيه أحياناً.

(٥) ويبدو أن إنسان اليوم يعيش بأسلوب استهلاكي غير مسؤول وكأنه يقول: " أنا وبعدي الطوفان" لكنه يحكم غريزة الحفاظ على النفس من الانقراض لا بد من أن يشغل فكره دائماً بالسؤال عن شكل البيئة التي سوف يتركها لأبنائه وأحفاده، ومهما يكن من أمر الحاضر، فإن من المتيقن أن العقود القليلة القادمة ستشهد تغيراً كبيراً في السلوك الاستهلاكي.

نتيجتك هي

0%

Scroll to Top