(1) لا نكاد نعرف شيئا عن تاريخ الأفارقة الذين اقتلعوا من أوطانهم وحقولهم ليباعوا في سوق النخاسة ويلاقوا صنوف العذاب والإرهاب، وربما يعد كتاب "الجذور" لشالكس هالي الذي حصل إخراجه على صورة مسلسل تلفازي جزءا من الحقيقة التي تصف رحلة العذاب والألم الطويلة منذ لحظة الاختطاف مرورا بالأقفاص الخشبية التي كان يحجز فيها الأفارقة قرب الساحل قبل شحنهم بالسفن، ثم الرحلة الشاقة الرهيبة عبر الأطلسي حيث يوضعون في مقر السفينة ويربطون بالسلاسل الحديدية.
(٢) وتشير العديد من المصادر إلى أن أعدادا كبيرة منهم لاقوا حتفهم بسبب إصابتهم بمرض الكوليرا. أو الحمى الصفراء، ولقد ألقي العديد من هؤلاء المرضى في قاع المحيط بعد أن خاف البرتغاليون من انتشار الوباء بينهم و وإذا وصلوا إلى ساحل البرازيل وضعوا في مخابئ أرضية.
(۳) لقد تم ترحيل الأفارقة من أفريقيا الغربية إلى البرازيل في أوائل القرن السادس عشر بواسطة المستعمرين البرتغال : للعمل كعبيد في المزارع والمصانع. وبالرغم من انتشارهم في أنحاء البرازيل كافة إلا أن الأغلبية الساحقة منهم تقطن شمال شرق البرازيل لا سيما في ولايتي باهية ورسيفي
(٤) لم تنته رحلة العذاب في البواخر بل تواصلت عبر السنين، وعلى أرض البرازيل لتخلف قهرا وحسرة في قلوب المسلمين أو تنصرا وكفرا في نفوس إخوانهم وأبنائهم، وقد تمسك بعضهم بإسلامهم بالرغم من بعدهم عن أرض الإسلام، وبالرغم من العذاب والمشقة رأى الأفارقة أنهم فقدوا حريتهم الدينية والعقائدية، وحينها بدؤوا في تنظيم صفوفهم، والعمل على الحفاظ على مبادئهم الإسلامية، وتعليم أبنائهم القرآن والكتابة العربية، أضف إلى ذلك التخلص من قيد العبودية. والعودة إلى وطنهم الأم إفريقيا.
(٥) وقد قام هؤلاء المسلمون الأفارقة بثورات عديدة ضد هؤلاء المتسلطين الإقطاعيين، وأسسوا في إحدى تلك الثورات مملكة تحاكي ما هو معروف من الممالك الإسلامية في غرب إفريقية، وتلك المملكة الإفريقية يسميها البرازيليون اليوم بـ "المملكة الزنجية، ويقول المؤرخون: إن الأفارقة أنشؤوا لهم كيانا برئاسة ملك له خلافة وراثية في منطقة بلمارس واسمه (الملك زومبي)، وأعلن أن دولته حرة مستقلة ووضع دستوراً لبلاده في مادته الأولى: احترام الحرية الشخصية لكل من يشاء العيش في دولته، وهذا يدل على أهمية الحرية وقيمتها في حياة الناس.
(6) وظلت الحرب بين دولة المسلمين الأفارقة ودولة البرتغال بإمكاناتها الكبيرة من الرجال والعتاد لمدة خمس سنوات بدون أن يكون لدى الأفارقة شيء من ذلك إلا تضحية رجالهم المتسلحين بأسلحة خفيفة.
(۷) وقد سجل المؤرخون البرتغاليون أن الجيش البرتغالي كان يقضي على أسرى السود بدون شفقة سواء أكانوا رجالا أم نساء، وسواء أكانوا شيوخاً أم أطفالا، وفى ٢١ يونيو ١٦٧٨م جرى صلح بين ملك السود وبين البرتغال لم ترض عنه أكثرية السود، فتتابعت الحرب، حتى تمكن البرتغاليون من القضاء عليهم وهلك الملك زومبي فيمن هلك، وقام بعد ذلك البرتغاليون بمطاردة المسلمين الأفارقة وتعقبهم، فقر كثير منهم بدينهم إلى الغابات والأدغال، والكثير منهم أجبر على اعتناق النصرانية، وأجبروهم على بناء الكنائس، ومنعوهم من بناء المساجد، فعمد المسلمون إلى بناء الكنائس من الخارج ومن الداخل صممت على صورة مساجد بها منابر ومحاريب وكتب على جدرانها وأسقفها الآيات القرآنية والأدعية باللغة العربية.
(۸) حفظت المكتبات العامة والأرشيف الوطني في باهية وثائق المسلمين الأفارقة. وأوراق منفرطة كتبت عليها سور وآيات من القرآن الكريم وغيرها تثبت انتماءهم الإسلامي ومن المفاجآت العجيبة أنه ما زال إلى الآن هناك من يعيش في تلك الأدغال ويعتنق الإسلام ولكنه إسلام مختلط ببعض الخرافات والعادات الإفريقية التي لا تمت للإسلام النقي الصافي وقد انطفأ نور الإسلام في بعض تلك المدن بسبب التعسفات والمصائب التي تعرض لها المسلمون في بداية القرن التاسع عشر، حيث عاشوا مدة من القهر الجماعي مما أدى إلى هجرة معاكسة إلى البلدان الإفريقية.